الرئيسة  |  الموقع الإسلامي                                                          

الشكر لله على النعمة

------------------

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الشكر لله على النعمة[1]:

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[2]. وقال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[3].

يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم، ومن رزقه الحلال الطيب، وأن يشكروه تعالى على ذلك فإنه المنعم المتفضل به ابتداء الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له. والرزق والمال نعمة كبيرة من الله تعالى على الإنسان ودونها لا يستطيع العيش، وما دام الإنسان يحب دوام هذه النعمة بل وزيادتها؛ فيجب عليه أن يشكر الله عليها، وقد وعد الله عزَّ وجلَّ من شكره أن يزيده من فضله، فقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ[4]، أي؛ لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي.

فالآية نص في أن الشكر سبب للمزيد، وشكر الله على الشيء سبب للمزيد منه، ووعد الله حق ولن يخلف الله وعده، فالزيادة حاصلة لمن شكر الله حق شكره. والشكر في اللغة: الظهور. وهو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف. وفي عبارات العلماء معناه: الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية. وقيل غير ذلك. ويروى عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ((اشْكرِ المنعمَ عليك، وأنعِمْ على الشاكر لك، فإنه لا نفاد للنِّعَم إذا شُكِرت، ولا بقاء لها إذا كُفِرت، والشكر زيادة في النعم، وأمان من الغير)).

ومن الشكر معرفة النعمة والتحدث بها، كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ[5]. ومن التحدث بالنعمة إظهارها للناس والله عزَّ وجلَّ يحب ذلك، قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم: ((إن الله يحب أن يُرى أثر نعمته على عبده))[6]، وقد رأى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً رث الثياب فقال له: ((هل لك من مال؟)) فقال: من كل المال، قد أعطاني الله من الإبل والغنم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((فلْيُرَ عليك))[7]، أي؛ فليُبْصَر وليَظْهَر. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة، يحب أن يرى أثر النعمة عليه))[8]، وقال عليه الصلاة والسلام: (( إذا آتاك الله مالاً فلْيُر عليك، فإن الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنًا، ولا يحب البؤس ولا التباؤس))[9].

والله - تبارك وتعالى - يرضى الشكر ويحبه لعباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ[10]، وقد أمر الله عزَّ وجلَّ لقمان أن يشكر الله تعالى على ما آتاه ووهبه من الحكمة، وهي نعمة عظيمة خصصه الله بها عن غيره من أبناء جنسه وأهل زمانه، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ[11]، ومدح الله تعالى رسولَه إبراهيم عليه السلام بأنه شاكر لنعم الله عليه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ[12].

ومن الشكر الاعتراف بالنعمة لله، والثناء عليه بها والإحسان إلى خلقه منها، واستعمالها في طاعة الله، وعدم استعمالها في معاصيه. وهذا بلا شك يوجب حفظها على الشاكر والمزيد منها. فعلى سبيل المثال فإن المال من نِعَم الله على العبد فمن استغله واستخدمه في طاعة الله عزَّ وجلَّ، وأدى زكاته وتصدق منه، كان ذلك شكرًا على نعمة المال، فكان ذلك سببًا في أن يديم الله عليه الرزق ويزيده منه، وهكذا سائر نعم الله على الإنسان. فالشكر ليس أن يقول الإنسان بلسانه: الحمد لله، الشكر لله. بل إن معنى الشكر أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة الله عزَّ وجلَّ. وقد وعد الله تعالى من يطيعه ويؤمن به ويعمل الصالحات بأن لهم رزقًا كريمًا واسعًا، فضلاً عما لهم من مغفرة الله تعالى على ذنوبهم، قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ[13].

وهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقوم في الصلاة حتى تتورم قدماه لأجل أن يشكر الله على نعمه عليه؛ قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا صلى قام حتى تفطَّر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله، أتصنع هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ((يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا))[14]. فالحديث يبين أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان كما قال الله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا[15]، أي؛ اعملوا عملاً هو الشكر على ما أنعم به عليكم في الدين والدنيا. وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذ سدَّت مسدَّه، فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان، فالشكر بالأفعال عمل الأركان، والشكر بالأقوال عمل اللسان.

إن الله جلَّ جلاله أمر بأن يطلب الإنسان الرزق من الله ويعبده ويشكره، فقال تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ[16]؛ وعندما يأمر الله عزَّ وجلَّ عباده المؤمنين بالشكر له فذلك ليس لأجله، فهو جلَّ شأنه وتقدست أسماؤه غني عن العالمين، وغني عن شكر الناس أجمعين، وليس بحاجة إلى أحد من خلقه، بل كل مخلوق بحاجة إليه، فالشكر إنما هو لمصلحة العبد؛ لأن نفع الشكر وثوابه يعود على الشاكر نفسه في الدنيا والآخرة؛ ولهذا يرضى الله لعباده الشكر حتى ينفعوا أنفسهم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ[17]، وقال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا[18]؛ ولو كفر الناس جميعًا ولم يشكروا فإن الله تعالى لا يتضرر بذلك فإنه الغني عمن سواه.

وقد يرزق الله عبدًا بأموال طائلة ونعم كثيرة اختبارًا له أيشكر أم يكفر؛ ولهذا عندما وجد النبي سليمان عليه السلام أن الله قد أنعم عليه نعمًا كثيرة ومعجزات باهرة وكرامات عظيمة حكى الله عزَّ وجلَّ قول نبيه، فقال تعالى: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ[19]، أي؛ يعود نفع الشكر وثوابه على الشاكر نفسه لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ[20]؛ ولقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له[21]((. وقال الله تعالى: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ[22]، أي؛ وسيجزي الله الذين يطيعون الله فيما أمرهم به وينتهون عما نهاهم عنه، ويشكرون الله على ما أنعم عليهم من النعم والرزق والمال.

وختامًا أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن ينفع بنا غيرنا من المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.

عدنان الطَرشَة


[1] هذا الموضوع منقول من كتاب عدنان الطرشة: «أنت والمال»، والمراجع التي أشار إليها فيه. www.adnantarsha.com

[2] سورة البقرة، الآية: 172.

[3] سورة النحل، الآية: 114.

[4] سورة إبراهيم، الآية: 7 .

[5] سورة الضحى، الآية: 11.

[6] صحيح سنن الترمذي، رقم: 2260.

[7] صحيح سنن الترمذي، رقم: 1632.

[8] صحيح الجامع الصغير، رقم: 1711.

[9] صحيح الجامع الصغير، رقم: 255.

[10] سورة الزُمُر، الآية: 7.

[11] سورة لقمان، الآية: 12.

[12] سورة النحل، الآيتان: 120-121.

[13] سورة الحج، الآية: 50.

[14] أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة.

[15] سورة سبأ، الآية: 13.

[16] سورة العنكبوت، الآية: 17.

[17] سورة لقمان، الآية: 12.

[18] سورة الإسراء، الآية: 7.

[19] سورة النمل، الآية: 40.

[20] سورة الروم، الآية: 44.

[21] أخرجه مسلم في كتاب الزهد، باب في أحاديث متفرقة.

[22] سورة آل عمران، الآية: 144.

تنزيل المقال pdf